النسخة الرابعة من مهرجان قلنديا الدولي للفنون في العام 2018 من مصطلح "التضامن" شعاراً لتلك النسخة من المهرجان، ومن هنا جاءت فكرة مشروع "أصداء من التضامن" الذي يسلط الضوء على الأشكال المختلفة من التضامن مع النضال الفلسطيني وتجلياته السياسية والاجتماعية والثقافية داخل فلسطين المحتلة وخارجها.
لازمَ مفهوم "التضامن" تاريخ النضال الفلسطيني من أجل التحرير وتقرير المصير، ومرّ روح التضامن مع الفلسطينيين وتعريفاته وممارساته بكم كبير من التغيرات منذ منتصف القرن الماضي.
في الوقت الحاضر، اختلفت أشكال التضامن من حيث الأهداف والممارسات، فالتضامن الديني اليميني مثلاً، جاء لأجل حشد المزيد من الاعتراف الاجتماعي والشعبي، وصولاً إلى النشاط اليساري الداعي الى مبادئ اشتراكية عالمية، والتضامن من خلال النفس العروبي التاريخي الجامع لدول المنطقة، حتى الوصول إلى الأشكال الجديدة من التضامن من خلال دعم المنتجات؛ و التضامن مع البيئة، أو مع الأطفال المعدمين.
لا يمكن الاستغناء عن فكرة "التضامن" بحالاته المختلفة حتى مع التغيرات الراهنة سواء في المجتمع الفلسطيني أو العالم، اليوم أصبح هناك حاجة ماسة لإبقاء قصة المعاناة الفلسطينية أمام عيون العالم بشكلٍ أكثر وضوحاً، سواءً بمفهومه وممارساته المحلية أو العالمية، وذلك في ظل غياب بنية سياسية قيادية جامعة للشعب الفلسطيني، وفي خضم هذه الحالة من الغموض الاجتماعي والسياسي.
لا يُعنى مشروع "أصداء من التضامن" بأي تعريف أو إعادة تعريف لمصطلح التضامن، حيث يقوم المشروع على اشتباكات ثلاث دورها توظيف التعريف المتغير للتضامن من أجل إعادة مساءلة النضال الفلسطيني اليوم، والتفكير بإمكانيات الخروج من الواقع الراكد الراهن.
ينقسم المشروع إلى ثلاثة اشتباكات لا خطية رئيسية، تتداخل فيما بينها دون تسلسل زمني، بحيث لا يتبع السرد في كل واحد منها بالضرورة نمطاً سببياً مباشراً يربط الأحداث التي يكوّنها.
الاشتباك الأول—أصوات مائجة
"أصوات مائجة" عبارة عن سلسلة من العروض الأدائية تختتم بحفل موسيقي، تم استخلاصها من بحث أرشيفي يستكشف أصداء الخطاب الفكري والثقافي للتضامن خلال الأزمات التي أنتجتها عصور مختلفة، وذلك تحديداً، النهضة (النهضة الثقافية العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين)، والحقبة المابعد استعمارية التي تلت الحرب العالمية الثانية، وما يسمى بالربيع العربي وتداعياته. ففيما يظهر، يتردد صدى قضايا مثل العودة إلى الأرض، والمحلية مقابل العالمية، والهوية القومية، والعروبة، والتغريب، وإنهاء الاستعمار، ودور المثقف، والحرية، والاشتراكية، والديمقراطية بين هذه الحقب، طارحةً تساؤلات بشأن العمليات التي وقفت أمام عدم تحويل هذه القضايا والقيم أو دمجها تاريخياً في خضم صناعة المشاريع الاجتماعية والسياسية في فلسطين خاصةً، وفي المنطقة عامةً، والأسباب التي تقف وراء ذلك.
سيقوم فنانون بترديد المواد البصرية والنصية محوّلين إياها إلى شعر جديد من الأصوات والكلمات. تتلخص مهمة الفنانين المكلفين في إيقاظ أصداء الماضي هذه في مخاطبة الحاضر والمستقبل. كانت الوظيفة المزدوجة للفنان كــ"مترجم" وكــ"شاعر"، وظيفة محورية بالنسبة للمهمة المنوطة بهم هنا، حيث يتم توجيه انتباه المترجم نحو المواد الأرشيفية كلغة، في حين يركّز الشاعر على حياكة أصداء الماضي لتصبح بنى راهنة صوتاً ومحتوى.
الفنانون: هيا زعتري، بُشر كنج، جميل مطر، إذاعة دون تردد (لما رباح وزينة زعرور)، إميل سابا، خليل البطران، مايا الخالدي، ماكي ماكوك، شعراب (محمد الجميل)، نجوان بيركدار، هيكل.
الباحثون: أروى لبيدي، بويانا بيشكور، ليلى دخلي، ماهر شريف، تيا ميرهار.
الاشتباك الثاني—قضية فلسطين
هذا الاشتباك هو سلسلة من العروض الخطابية التي تبحث في الانعطافة في معنى التضامن مع النضال الفلسطيني، وذلك كوسيلة لتفحص التحول في قيم مشروع التحرر الراهن. طالما كانت قضية فلسطين، ومنذ منتصف القرن العشرين، قضية رمزية بالنسبة للحركات والنضالات العالمية الأوسع ضد الإمبريالية والاستعمار والعنصرية. كان النضال التحرري الفلسطيني، بمثابة استجابة أخلاقية عالمية للتحول العالمي بعد الفظائع الجسيمة في الحرب العالمية الثانية، والأمثلة الفاشية والنازية المؤذية بشأن ما يمكن أن تؤول إليه الإنسانية فيما لو لم يتم تبني الحق بالتحرر، وبتقرير المصير، وبالمساواة الكونية بجدية. في ذلك الوقت، جعل التضامن السياسي والثقافي مع الفلسطينيين نضالهم من أجل التحرير نضالاً عالمياً، وذلك ليس عن طريق القنوات الدبلوماسية الرسمية فحسب، وإنما كان التضامن كذلك تعبيراً عن نظريات معرفة تاريخية وسياسية أوسع لنضال الشعوب من أجل المساواة، وتقرير المصير، وإنهاء الاستعمار، والتحرير، في جميع أنحاء العالم.
سيقوم القيّمون المكلفون من الجنوب الكوني، أي تحديداً، من الباكستان وتشيلي وجنوب أفريقيا، الذين تمت دعوتهم للعمل على التفاعل بين النضالات المحلية والتضامن العالمي كمفتاح لإعادة طرح قضية فلسطين المجازية كقضية أساسية في حقبتنا الزمنية الراهنة. ستركز هذه المحادثات والنقاشات على طرح التساؤل حول ما هي الطرق التي يمكن من خلالها اليوم بعث الرمزية العالمية لقضية فلسطين من جديد؟ كيف يمكن أن تتحول الخصوصيات المحلية للفلسطينيين ونضالهم اليومي اليوم إلى فكرة نضالية يمكن ترجمتها إلى لغة عالمية للحركة السياسية؟ ما الذي يمكننا تعلمه من فلسطين؟
القيّمون: إميليو دابيد (جمهورية تشيلي)، راميس سهيل (جمهورية باكستان الإسلامية)، زينات آدم (جمهورية جنوب أفريقيا).
الاشتباك الثالث—مسح الـ(لا) تضامن
جمع التاريخ الطويل للتضامن الثقافي مع النضال الفلسطيني حوله مجموعات من الفنانين ومن التعاونيات الفنية ممن دأبوا دوما على المشاركة في المبادرات الثقافية التي دعت إلى تحرر الفلسطينيين، وإنهاء السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية. لا يمكن فهم مثل هذه التضامنات ومحفزاتها الاجتماعية والسياسية إلا في لحظة محددة من تاريخها. يتحوّل تركيز البحث التاريخي على موضوع التضامن إلى حالة من الولع، الأمر الذي يمكن تفسيره أحياناً على كونه رغبة يسارية يائسة في إعادة تجسيد هذه التواريخ المجيدة ضد تعاظم السياسة اليمينية المحافظة، وصعود الاستبداد، وأنماط الهيمنة النيو-كولونيالية، والتدهور المتسارع للديمقراطية اليوم.
مسح الـ(لا) تضامن هو معرض يرتكز على تفحص (عدم) التضامن كوسيلة لسبر مفهوم التضامن نفسه وضرورته في الوقت الحاضر. لا يُعنى المعرض بتصوير الرغبة الطوباوية اليسارية في رؤية حركات الفن التاريخية وهي تنبعث من جديد في قلب الأزمة السياسية والاجتماعية القائمة اليوم، من حيث اعتبارها وسيلة لبثّ التغيير. بل على العكس من ذلك، يفتح المعرض أسئلة عن (عدم) التضامن الثقافي في فلسطين، من خلال استكشاف القصص والسرديات المحجوبة التي تساهم في تشكيل حاضرنا، من خلال تحويل النظر نحو الاختلال الوظيفي للتضامن، وذلك بدلاً من التغني بانتصارات الثورة.
الفنانون: مجد درويش، مايكل بيرز، منّا هينريكسون، محمد سباعنة.
القيّمون: بوجانا بيشكور، يزيد عناني.
القيّم المساعد: مجد نصر الله.