مع اقتراب اختتام فعاليات العام الأول من مشروع "ستيم بال هاوس"، تمكنت المدارس الأربع المشاركة في المشروع: مدرسة دوما الثانوية للبنات في الخليل، مدرسة ثبرة الأساسية المختلطة في بيت لحم، مدرسة سمية بنت الخياط الأساسية للبنات، مدرسة كفردان الثانوية للبنات في جنين، من تنفيذ 4 معارض، قدموا فيها مشاريعهم النهائية، وكافة الإنجازات والابتكارات التي طبقوها على مدار العام، والتي تمركزت حول إيجاد حلول إبداعية لمشاكل بيئية تواجه المجتمع الفلسطيني، وتعتمد على "الحكمة" المحلية، والخبرة الثقافية الغنية للمجتمع في مواجهة تحديات التغير المناخي، وشح المصادر الطبيعية في فلسطين.
تقول المنسقة المساعدة في المشروع، منار جوابرة: "في البداية، كان من الصعب عليّ تخيل تحقيق هذه الأهداف نظراً للوضع السياسي والأمني في فلسطين، والتحديات التي كانت -ولا يزال- يواجهها التعليم حالياً في البلاد. ولذلك، اعتقدت أن المشروع لن يحظى باهتمام كبير من الطلاب المشاركين أو المعلمين، إذ قد يرون أن الأولوية تأتي لتغطية المنهاج الرسمي نظراً للتحديات. ولكن، مع التعديل على أنشطة المشروع بما يتلاءم واحتياجات الوضع الحالي، شرعنا بالعمل في المناطق، وفور الشروع بالعمل، بدأتُ أرى أفق تحقق أهداف المشروع".
في هذا المعرض، تمكن 40 طالباً/ة، تراوحت أعمارهم ما بين 12–16 عاماً، من إنجاز 12 مشروعاً إبداعياً ومبتكراً، وتقديمها أمام زملائهم، وأهاليهم والمجتمع المحلي، منها طرق لحل مشكلة غرق مرج صانور، وأنظمة ري آلية، وطرق زراعة ذكية، وطرق للاستفادة من الطاقة البديلة والمتجددة، إضافةً إلى مشاريع تهتم بتسهيل حركة الطلبة من ذوي الإعاقة واندماجهم في المدارس، وغيرها من المشاريع التي تركز على تأسيس نمط حياة صديق للبيئة، والمهتمة بالتخلص من المخلفات. كما لم تكن هذه المشاريع مجرد حلول علمية، بل مثّلت تجربة تعليمية متكاملة، وثمرة تجربة تعلم ومجاورة استمرت لمدة عام، وسعت، بشكل أساسي، إلى تعزيز قدرات الطلبة على التفكير النقدي والعمل الجماعي والابتكار العلمي، حيث عملوا على تطوير وتنفيذ مشاريعهم الإبداعية، بما يحفزهم على البحث والاستكشاف والتحليل والتأمل والتعبير عن وجهة نظرهم بحرية، وأخذ زمام المبادرة نحو تعلمهم.
وفي هذا السياق، تشير جوابرة إلى أنه إلى جانب المعرض، تم تنفيذ فعاليات أظهرت أو ساهمت، بشكل كبير، في إظهار أثر تطوير مهارات القرن الحادي والعشرين لدى الطلاب، كان منها عرضهم السابق للنماذج الأولية، والمخيم الصيفي، الذي عقد في كل مدرسة بقيادة الطلاب في كل نادٍ.
تقول جوابرة: "حققت هذه الفعاليات نجاحاً كبيراً، ففي العرض، اكتسب الطلاب قدرات في التقديم والمناقشة، وكذلك تقبل الأفكار وتقسيم العمل؛ إذ وقفوا أمام لجنة من الخبراء، وأمام ضيوف وطلاب آخرين، وشاركوهم آلية عمل مشاريعهم وكيفية التطوير عليها للعرض النهائي، وحاولوا إقناعهم بأهميتها".
وأضافت: "أما في المخيم الصيفي، فقد قام الطلاب بالعمل معاً لبناء أنشطة المخيم وفعالياته على مدار 5 أيام، وتخللت هذه الأيام أنشطة في "ستيم"، وقدرات النجاة، وأردوينو، والأنشطة الترفيهية، وأنشطة حل المشاكل البيئية، وغيرها، بتيسير الميسرات ومساعدتهن. وقام الطلاب بتقسيم العمل فيما بينهم، وقيادة المخيم الصيفي لـ20 ضيفاً/طفلاً من مدرستهم أو من قريتهم، وبهذا زادت هذه الفعالية من قدراتهم القيادية، وعززت من مهارات الاتصال والتواصل والتفكير والمسؤولية لديهم"، مشيرةً إلى أن العديد من المعلمات الأخريات وجدن أن طلاب النوادي قد بنوا وقادوا مخيماً صيفياً ناجحاً، ولاحظن حس المسؤولية والقيادة المرتفع لدى طلاب المشروع، وفقاً لما رأينه، وأن هذه المهارات التي اكتسبوها انعكست عليهم خلال وجودهم في المدرسة، وضمن الحصص الصفية. كما أن هناك العديد من الطلاب الآخرين الذين أرادوا المشاركة في المشروع بعد رؤية أنشطته وأثره على طلاب نوادي "ستيم".
يأتي المشروع استمراراً لعمل المؤسسة الهادف إلى تطوير تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضات والفنون أو ما يعرف بتعليم "ستيم" (STEAM Education)، وتقديم فرص تعلمية نوعية للطلبة والمعلمين لكي ينخرطوا معاً في تجربة جديدة من التعليم التطبيقي، بالتكامل مع التعليم الرسمي، لتحقيق أهداف التنمية المستدامة وتعزيز الإبداع، والتفكير العلمي، والمساهمة في حل المشكلات المجتمعية.
حول ذلك، تقول جوابرة: "هنا أرى أهمية المشروع للطلاب والمعلمين، إذ إضافة إلى أهمية التعليم الرسمي والمناهج الرسمية في المدارس، التي تطور الجانب الأكاديمي والمعلوماتي لدى الطلاب، أجد أهمية وجود مسار غير رسمي، خارج عن التعليم التقليدي في المدارس لتطوير المناحي الأخرى من مهارات الطلاب وتفكيرهم، حيث إن التركيز في التحصيل الأكاديمي فقط، قد يثبط من استعداد الطالب للحياة ما بعد المدرسة، ولا يتيح له فرصة لتجربة أشياء جديدة قد تساعده في استكشاف تطلعاته، وتطوير أفق اهتماماته. وهذا ما يركز عليه مشروع "ستيم بال هاوس"، إذ يساعد الخروج عن المألوف بتوسيع آفاق التفكير، وتعزز الأنشطة من المهارات الشخصية، وبهذا يتكامل تطور الطالب "الشخصي" مع الأكاديمي، ويصبح أكثر وعياً بنفسه ويتعاطف مع غيره".
رافقت الأنشطة الرئيسية للمشروع رحلات ميدانية إلى جنين، والخليل، وبيت لحم، للتعرف على التنوع الحيوي في فلسطين ومناقشة المشكلات البيئية المختلفة. كما تخللت المشروع ورشات تدريبية متخصصة، شملت موضوعات مثل: التفكير الإبداعي، الإلكترونيات (Arduino)، الزراعة المستدامة، طرق تنقية المياه، إضافة إلى تنظيم لقاءات مع خبراء في مجالات (STEAM) المختلفة، حيث أشارت الميسّرات إلى التطور الملحوظ في شخصية الطلبة وقدراتهم على حل المشكلات والاعتماد على النفس. بهذا الخصوص، تقول إحدى المعلمات: "برنامج "ستيم بال هاوس" كان فرصة ذهبية للطالبات لفهم المشاكل البيئية وتوظيف العلوم في إيجاد حلول مبتكرة تخدم المجتمع."
يذكر بأن المشروع كان قد انطلق عبر سلسلة خطوات مدروسة، بدأت بتدريب 8 معلمات كميسّرات للنوادي، ومن ثم، تشكّل كل نادٍ من 10 طلاب/طالبات، ليعملوا، بدورهم، على بناء هوية نواديهم واختيار الأسماء والشعارات، ما عزز روح الفريق والانتماء للمشروع. كما جرت جلسات "التفكير للتصميم" (Design Thinking) التي ركزت على اكتشاف المشكلات المحلية، وتطوير أفكار المشاريع التي يمكن تنفيذها، ومن ثم بدء العمل عليها.
واختتمت جوابرة لقاءنا بقولها: "بسبب النجاح الذي حققه المشروع خلال عامه الأول، والشعور بجدوى العمل، أتطلع، بحماس، للعامين القادمين والمدارس التي سنعمل معها في المستقبل لرؤية الأثر عليهم أيضاً".
يأتي هذا المشروع بالشراكة مع منتدى الفكر الشبابي في جنين، ووكالة التنمية البلجيكية (Enabel)، وبتمويل مشترك مع الحكومة البلجيكية.